العوامل المؤثرة في تطور التربية
العوامل المؤثرة في نظام التعليم
تعكس السياسة التعليمية الواقع الاجتماعي الذي تعيش فيه، وهي صدى له، ولذا يتوقف نجاح السياسة التعليمية على عدد من العوامل السياسة، والاجتماعية، والاقتصادية، والاقتصادية التي تؤثر في صياغة السياسة التعليمية والتخطيط لتنفيذ موادها، وتحديد مسارات التنفيذ.
ومن تلك العوامل:-
1- العامل السياسي.
يؤثر العامل السياسي بشكل كبير في تشكيل النظام التعليمي والتخطيط له، ذلك أن النظام التعليمي بأنواعه ومراحله يحدد وفق رغبة الحاكم، أو السيطرة الاحتلالية حال تعرض الدولة للاحتلال، وتؤثر العوامل السياسة في النظام التعليمي من جانبين هما:
أ- النظرية السياسية أو الايدلوجيا السياسية.
إن الايدلوجيا عبارة عن خليط من التراث الثقافي والاجتماعي والحضاري والقيم المتفاعلة معاً لشعب من الشعوب.
ولقد ظهرت الايدلوجيا في فرنسا خلال القرن الثامن عشر ، وكانت تعني علم الأفكار idea logy وكانت صلتها وثيقة بالتربية، فعلم الأفكار يرتبط بحياة الإنسان والقواعد الأساسية لتعليمه وتعلمه، وتتأثر السياسة التعليمية بالايدلوجيا السياسية السائدة في المجتمع، لكون رسم السياسة التعليمية لا يتم بنجاح إلا إذا كانت الصورة عن المواطن الذي يتمناه المجتمع في ضوء تطلعات المستقبل واضحة، وهذا يتطلب ضرورة وجود نسق فكري عام يتبناه المجتمع، ويحدد معايير السلوك والتفكير.
ب- الظروف السياسية الطارئة.
وهي الظروف التي تفرض نفسها على الدولة، فتجبرها على تعطيل سياستها التعليمية أو التخلي عنها، وهي ظروف داخلية، كالمظاهرات، والإضرابات، والحروب الطائفية...الخ
وظروف طارئة خارجية، كالحرب مع دولة أخرى، أو متعرض الدولة لاحتلال...الخ.
وتؤثر تلك الظروف كذلك بالحد من الإنفاق على التعليم، أو فرض رسوم ولغة أجنبية، أو تغيير بعض مواد السياسة التعليمية، أو إلغائها بالكلية، كما فعل كرومر بالتعليم المصري- راجع أهمية السياسة التعليمية-.
2- العامل الاقتصادي.
يعد العامل الاقتصادي من أهم العوامل المؤثرة سلباً وإيجاباً، فللعامل الاقتصادي كبير الأثر في ميزانيات التعليم، التي يحتاجها نظام التعليم، بل إن المفهوم الجديد للتعليم على مستوى العالم أنه عملية استثمارية، وأصبح التخطيط للتعليم يعتمد على المؤشرات الاقتصادية، فالعلاقة بينهما علاقة طرية، كلما ازدهر الاقتصاد ازدهر التعليم، وكلما ازدهر التعليم ازدهر الاقتصاد لاستفادته من مخرجات نظام التعليم، وتتضح العلاقة المتبادلة بين الاقتصاد والتعليم من خلال النقاط التالية:
- كلما زاد معدل لتنمية الاقتصادية، أمكن زيادة ميزانية التعليم، مما يساعد على نشره وتحسين مستواه.
- العامل الاقتصادي هو الدعامة التي يستند عليها التوسع في التعليم.
- العامل الاقتصادي هو الذي يوفر فرص العمل للأيدي العاملة المتعلمة، وبالتالي فهو مصدر أساسي للدخل.
- التعليم هو السبيل لإعداد القوى البشرية المتعلمة والمدربة اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي.
- كلما زادت دخول الأفراد نتيجة التنمية الاقتصادية كلما زادت التطلعات إلى مستويات تعليمية أعلى وأرقى.
- كلما تحققت التنمية الاقتصادية، كلما زادت فرص العمل، وتحسنت معدلات الأجور.
- تشكل الأنشطة لاقتصادية قوة ضاغطة في اتجاه الطلب على التعليم.
ومن ذلك يتضح أن الاقتصاد ذو قيمة محدودة إن لم يسخر في سبيل التقدم، وذلك من خلال التعليم، الذي هو بدوره سبيل لتطوير الاقتصاد.
3- العوامل الجغرافية.
يرتبط العامل الاقتصادي بالعامل الجغرافي، ذلك أن اقتصاديات أي دولة تعتمد بشكل مباشر على العامل الجغرافي لتلك الدولة، فهي التي تحدد – بإذن الله تعالى- مصادر الثروة فيها، وهناك حالات شاذة.
وتؤثر العوامل الجغرافية في نظام التعليم من ثلاث زوايا هي:
- المُناخ - بضم الميم-
- يحدد المناخ السن اللائمة لبدء الإلزام، وموسم الإجازات الدراسية، وطول أو قصر اليوم الدراسي، وشكل المباني ومواصفات مواد البناء، والتأثيث والمختبرات وما تحتويه والوسائل التعليمية، كل ذلك يجب أن يخضع لظروف المناخ.
- طبيعة البيئة - التضاريس -.
الفرد يتأثر بالبيئة ويؤثر فيها، فالبيئة الجغرافية تلهم الإنسان بما تحتويه من الكثير من الظواهر الطبيعية، والتي تعد خبرة مربية.
لذا يجب أن يفسح المجال لدراسة تفاعل الإنسان مع بيئته، ضمن البرامج التعليمية ليلم المتعلم ببيئته فيتكيف معها،ويستجيب لها، وذلك من خلال الأنشطة التربوية.
كما أن طبيعة البيئة تحدد محتويات البرامج الدراسية، وتحدد شكل الإدارة التعليمية ومواد الدراسة.
- مصادر الثروة.
تختلف الثروات الطبيعية من بيئة لأخرى، كما أنها تختلف من حيث مردودها وقيمتها
الاقتصادية، وباختلاف مصادر الثروة يختلف الإنفاق على التعليم، والتوسع فيه .
ويرتبط هذا العامل من العوامل الجغرافية بالعامل الاقتصادي ، فهو المصدر للعامل
الاقتصادي، ولكن هناك حالات لم يكن فيها مصدر اقتصادي جيد، ومع ذلك ازدهر
اقتصاد البلاد كاليابان،
4- العوامل الاجتماعية.
تختلف التربية باختلاف تصورها لمفهوم الفرد وعلاقته بأفراد المجتمع ومنظماته، وذلك لكون التربية في أساسها عملية اجتماعية، والمجتمع يعد بعداً من أبعاد التربية.
فالنظام التعليمي هو الذي تعتمد عليه الدولة في تغطية احتياجاتها من القوى البشرية بجميع مستوياتها، فالتعليم أمر يتصل بمستقبل الدولة، وهو وسيلتها في تشكيل رجال الغد، ولذا تجعل بعض الدول مراحله إلزامية.
وتؤثر العوامل الاجتماعية في النظم التعليمية من خلال:
- الدين.
يعد الدين من موجهات النظم التعليمية في كثير من بلدان العالم، فهو يؤثر في النظم التعليمية تأثيرا مباشراً، بل إن نشر التعاليم الدينية كان من أهم الدوافع لإنشاء المدارس ولذالك كان يتم بناء النظام التعليمي وفق الأسس الدينية التي يود المجتمع تقديمها للناشئة.
وكما أسهم الدين بشكل بارز في إنشاء المدارس وتحديد محتويات المنهج، أسهم الدين في كذلك بفاعلية في اختيار المعملين وتعينهم، وإلزامهم بنوع معين من السلوك.
- اللغة.
توجه اللغة نظم التعليم، فهي الأداة التي يتم بها التخاطب ونقل المعلومات وتدوين المعرفة، فهي وسيلة العلم في التعبير عن محتواه.
واللغة من أهم العوامل في شخصية بناء الأمة، وهي دعامة الفكر والثقافة، وتظهر المشكلات اللغوية في الدول التي يتكلم سكانها أكثر من لغة، كما الحال في الهند.
- التركيب الاجتماعي.
ينعكس التركيب الاجتماعي للمجتمع على التعليم، ونظمه وأنواعه، والفرص التعليمية حيث تختلف النظم التعليمية باختلاف علاقة الفرد بالمجتمع، وباختلاف المفاهيم والفلسفات التي تبلور هذه العلاقة وتحدد إطارها، كما يمهد التعليم لمسير المجتمع نحو المستقبل من خلال إعداد متطلباته من القوى البشرية بالكم والكيف المطلوبين، ولذا فإن النظام التعليمي يعكس درجة تقدم المجتمع.
ويتضح أثر التركيب الاجتماعي على نظام التعليم من خلال تحول نظم التعليم من احتكار النبلاء والأثرياء قديماً للتعليم، حيث جعلوه خاصاً بهم، واستخدموه لتحقيق أغراضهم ومصالحهم، إلى أن أصبح من الحقوق المعترف بها للإنسان، وكان ذلك نتيجة للتغير الاجتماعي المستمر، والتحسن في مستويات المعيشة، وبالتالي ازدياد الطلب على التعليم.
وما سبق تتضح آثار العوامل الاجتماعية على السياسة التعليمية، فمخرجات السياسة التعليمية تعمل بحول الله على تحقيق مطالب المجتمع.
5- العوامل السكاني:.
تؤثر العوامل السكانية في النظم التعليمية والتربوية بدرجة كبيرة، ونتيجة للاختلاف العوامل السكانية من مجتمع لآخر تختلف النظم التعليمية، ومن أهم العوامل السكانية.
أ- التكوين العنصري للسكان Race .
أي العنصر أو الجنس أو السلالة، التي قال فيها r دعوها فإنها منته أو نته أو كما قال r ويرتبط التكوين العنصري للسكان ارتباطاً كبيراً بالناحية البيولوجية، التي تؤدي إلى ظهور سلالة متميزة تمثل الجنس البشري الأصلي، أو نتيجة لامتزاج أجنس أصيلة متعددة.
والمشكلة العنصرية مشكلة قديمة لها أثرها في تحديد النظم التعليمية، وخاصة في الدول التي توجد بها مجموعات عنصرية.
ب – نمو وتوزيع السكان.
يختلف نمو السكان وتوزيعهم ما بين القرية والمدينة، ولذا يجب مراعاة نمو وتوزيع السكان عند التخطيط لتوزيع الخدمات التعليمية، وذلك بحسب توزيع السكان ونموهم داخل الدولة من منطقة لأخرى وفقاً لأعداد الطلاب.
ج- الانفجار السكاني.
هو أحد الانفجارات التي يشهدها العصر الحالي، ومنها الانفجار المعرفي والمعلوماتي.
ولا يعد الانفجار السكاني مشكلة تعليمية، أو من العوامل المؤثرة في النظم التعليمية إذا سارت معه معدلات التنمية بالسرعة نفسها، ولكن نظراً لتخلف الثانية عن الأولى تظهر المشكلة وخاصة في البلدان النامية، ذات الموارد المحدودة، مما يؤدي إلى فقدان التوازن بين النمو السكاني والتنمية التعليمية، وبالتالي تنخفض معدلات قبول الطلاب بالمراحل التعليمية المختلفة، وتتكدس الفصول بالطلاب، وتعمل المدرسة لأكثر من فترة، أو تستأجر المباني، مما يؤثر على مستوى التعليم ونوعيته.
ومن هنا تؤثر العوامل السكانية في التخطيط لتنفيذ السياسة التعليمية والنظم التعليمية.
وهناك عوامل أخرى تؤثر في صياغة السياسة التعليمية، والتخطيط لتنفيذ موادها، وتحدد مسارات التنفيذ، لا تقل أهمية عن العوامل السابقة، ومنها العوامل التاريخية، والعوامل الحضارية..الخ.
وجميع تلك العوامل تؤثر في السياسة التعليمية، وهي عوامل متداخلة ومتكاملة، كل منها يؤثر في الآخر.
فالسياسة التعليمية تترجم السياسة العامة التي ينتهجها القادة، وتعمل على تحقيق طموحات الدولة وأهدافها، من خلال برامج التربية والتعليم، ولذا كان على السياسة التعليمية أن تستجيب لما يحدث في المجتمع من تغيرات وتحولات، تتطلب مقررات جديدة، وأساليب تربوية متنوعة، ووسائل تعليمية حديثة، تمكن الناشئة من التعامل مع تلك المخترعات واستخدام وسائل الإنتاج التي ستظهر عند خروجهم للحياة العملية بصورة أفضل بحول الله .