تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في رسم صورة المعلم في أذهان وتفكير أبناء المجتمع، وللأسف رسمت البرامج والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات، صورة سلبية ومشوهة للمعلم ولمعلم ، وذلك من خلال التندر والفكاهة تارة، والهزء والسخرية تارة أخرى، وهذه الصورة حتى وإن كانت انعكاساً حقيقياً لنظرة المجتمع الحقيقية للمعلم ودوره، إلا أنها جعلت من المعلم، مادة للإضحاك والسخرية، وإذا كان الفن صورة للمجتمع بأبنائه، من عمال وفلاحين ومهندسين وأطباء ومعلمين وفنانين وصحفيين و... إلخ من فئات المجتمع المختلفة، فإنه يخرج عن رسالته وأمانته، ويلعب دوراً سلبياً في تشويه صورة أبناء المجتمع.
المعلم في المسرحيات العربية لا حول له ولا قوة، ضعيف الشخصية، مضحك الشكل بنظارة كبيرة، كما في مدرسة المشاغبين، وغيرها، ومثار سخرية للطلبة، وليت الأمر يبقى في ذلك، بل تتجاوز هذه الأعمال في تشويه صورة المعلم والإساءة إليه، الحدود لتسيء إلى المادة ذاتها التي يعلمها المعلم، والشخصيات الأدبية والتاريخية!
وفي ذلك مجانبة للواقع وتشويه للحقيقة، ولا أحد ينكر دور الأعمال التلفزيونية في المجتمع، وقدرتها على التأثير، فالتلفزيون اليوم وسيلة مهمة جداً في تكوين الثقافة، ويلعب دوراً خطيراً في صياغة المفاهيم لدى أبناء المجتمع، خاصة لدى النشء، الذي يعد تربة خصبة لزرع بذور المعلومات، وتترسخ المعلومات هذه في عقول هذا النشء الذي تم تسميم أفكاره، بصور نمطية مقولبة، تجعل المعلم محل سخرية.ولا نستطيع إنكار أن الصورة الواقعية للمعلم مهزوزة في تفكير الطلاب؛ لأن ذاكرتهم قد خزن فيها صورته المهزوزة، وكذلك صورة الطالب المستهتر الذي لا يدخر جهداً في تدبير المقالب بالمعلم.
فهنا التشويه لم يطل المعلم وحده، بل امتد إلى المتعلم (الطالب)، وبالتالي إلى الإدارة (الناظر)، بل إلى صورة المدرسة، لتصبح مكاناً ومسرحاً للتهريج وقلة الأدب والإساءة للمعلم والتعليم والمؤسسة التعليمية كلها.
وهذه الصورة المشوهة للمعلم صعّبت وما زالت تصعّب من مهمة المعلم، فهو مطالب أولاً بتغيير الصورة السلبية عنه، بالإضافة إلى مهمته الأساسية، وبذلك يتحمل عبئاً جديداً، فتراه مشتتاً عن مهمته، فهو أمام حكم مسبق للطالب على المعلم بأنه محل السخرية، وعلى المدرسة بأنها مكان لقضاء الوقت في التهريج!
لتضيع العملية التعليمية في التركيز على إصلاح صورته وصورة المدرسة.
لم يكن المعلم في يوم من الأيام، مهرجاً، أو شخصية مهزوزة، كما يُصوَّر في أغلبية المسلسلات التلفزيونية، والمسرحيات، بل كان -ولم يزل-، وإلى زمن ليس ببعيد، المثل والقدوة التي يحتذى بها، وحلم الطامحين إلى المجد والمكانة الرفيعة في المجتمع، والشرف الذي لا يناله إلا من تمتع بصفات خاصة جداً، ورضي عنه والداه، وقد بذل الآباء والأجداد على الرغم من أميّة بعض منهم كل ما يملكون في سبيل أن يصبح أبناؤهم معلمين، متحدين كل الظروف القاسية جداً من الفقر والحرمان. ولو عرف وقدّر أبناء الجيل الحالي الظروف القاهرة التي تعلم بها معلموهم من الأجيال السابقة، لعرفوا قيمة النعمة التي يعيشون بها حين تقدم لهم كل سبل التعليم والعيش الرغد، على طبق من ذهب.
المعلمون هم صفوة المجتمع، يحظون بتقدير جميع شرائح المجتمع، في المدن والأرياف، هم الموجهون والمصلحون بين الناس، وكلمتهم مسموعة لدى الجميع، وينظر إليهم، بمنتهى الاحترام والتبجيل.
التعليم رسالة قبل أن يكون مهنة، وإذا فقد رسالته أصبح تجارة، وإذا أصبح تجارة، بات المعلم مجرد آلة بلا روح.
يحتل هذا المعلم في جميع مراحل التعليم من الابتدائية، وحتى الجامعية، حيزاً مهماً في ذاكرة ووجدان كل واحد منا، وهو تاج من العلم والأخلاق، نتشرف به، ونسغ حياتنا، والترياق لكل انحراف عن القيم الأخلاقية.
❊ بالفصيح:
تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة: فلاّح يغذيه، جندي يحميه، ومعلم يربيه. (جبران خليل جبران)
المصدر